فصل: باب الطلاق والرجعة وما يتعلق بهما:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.باب الطلاق والرجعة وما يتعلق بهما:

والطلاق لغة حل الوثاق يقال: أطلق الفرس والأسير، وفي الشرع رفع القيد الثابت شرعاً بالنكاح فخرج بقوله: شرعاً القيد الحسي وهو حل الوثاق، وبقوله بالنكاح العتق فإنه رفع قيد ثابت شرعاً لكنه لم يثبت بالنكاح قاله القسطلاني. وقال ابن عرفة: الطلاق صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته موجب تكررها مرتين للحر ومرة لذي الرق حرمتها عليه قبل زوج. اهـ. فقوله: صفة جنس، وقوله حكمية أخرج به الصفات الحسية لأن الطلاق معنى تقديري اعتباري يقدره الشرح والعقل ويعتبره لا حسي كذا تلقينا من بعض الأشياخ، وخرج بقوله: ترفع حلية الخ، الطهارة والقضاء ونحوهما. وقوله حلية لابد من ذكرها لأن المتعة لا ترفع، وإنما يرفع المتعلق بها وهو الحلية. وبقوله بزوجته حلية المتعة بغيرها كالأمة. وبقوله موجب تكررها إلخ. رفع الحلية بها بالدخول في الإحرام بالحج أو العمرة أو بالدخول في الاعتكاف أو الصلاة ونحو ذلك. فقوله: موجب بالرفع صفة للصفة جرت على غير من هي له.
وفي بعض النسخ بالنصب على الحال من صفة أو من ضمير ترفع وأما الرجعة بكسر الراء في استعمال الفقهاء، وفي اللغة بالفتح والكسر فقال ابن عرفة: هي رفع الزوج أو الحاكم حرمة المتعة بالزوجة بطلاقها فتخرج المراجعة لأن الرجعة من الطلاق الرجعي، والمراجعة من البائن، ولذلك يعبرون فيها بالمفاعلة التي لا تكون إلا من اثنين في الغالب وأدخل بقوله: أو الحاكم صورة ما إذا طلق في الحيض وامتنع من الرجعة فإن الحاكم يرتجعها له جبراً عليه ويجوز له بها الوطء كما يأتي في قول الناظم: وموقع الطلاق دون طهر إلخ. وخرج بقوله حرمة إلخ. رفع الحلية فإنه نفس الطلاق كما مر. وبقوله: بطلاقها المتعلق بحرمة رفع حرمة الظهار بالتكفير، ثم إن الطلاق على قسمين: سني وبدعي، فالسني ما اجتمعت فيه شروط أربعة ومهما اختل واحد منها أو كلها فبدعي كما أشار لذلك الناظم بقوله:
مِنَ الطَّلاقُ الطَّلْقةُ السُّنِّيَّهْ ** إنْ حَصَلَتْ شُرُوطُها المَرْعيَّهْ

(من الطلاق) خبر مقدم (الطلقة) مبتدأ (السنية) نعت له (إن حصلت) شرط حذف جوابه للدلالة عليه (شروطها) فاعل (المرعية) نعت.
وَهْيَ الوُقُوعُ حَالَ طُهْرٍ وَاحِدَهْ ** مِنْ غَيْرِ مَسَ وَارْتِدَافٍ زَائِدَهْ

(وهي) مبتدأ عائد على الشروط (الوقوع) خبر (حال طهر) ظرف يتعلق بالوقوع أي في وقت الطهر (واحده) بالنصب حال أو بالرفع عطف على الوقوع بحذف العاطف (من غير مس) يتعلق بمحذوف حال بعد حال أو معطوف بحذف العاطف (وارتداف) معطوف على مس (زائده) نعت لمحذوف أي: وارتداف طلقة زائدة، والمعنى أن الطلاق السني له شروط أولها أن يوقعه في وقت الطهر لا في وقت الحيض والنفاس، وأن يكون طلقة واحدة لا أكثر وأن لا يكون مسها أي وطئها في ذلك الطهر الذي طلقها فيه، وأن لا يردف في العدة طلقة زائدة على الطلقة الأولى، وزاد في التلقين شرطين آخرين: أن لا يكون في طهر تالٍ لحيض طلق فيه وأجبر على الرجعة، وأن تكون المرأة ممن تحيض لا يائسة أو صغيرة. اهـ. ويغني عن الثاني قوله حال طهر لأن الطهر ما تقدمته حيضة وتأخرت عنه أخرى، وذلك مفقود في اليائسة والصغيرة، فلو أراد الناظم الإشارة إلى ذلك لقال:
ممن تحيض ليس في طهر تبع ** طلاق مجبور على أن يرتجع

قاله (ت) وحينئذ فإن توفرت هذه الشروط الخمسة أو الستة كان الطلاق سنياً أو منسوباً لما أذنت فيه السنة وأباحته وليس المعنى أنه يكون مع الشروط سنة يثاب على فعله كما هو المتبادر، بل المعنى أن السنة والشرع أذنا في فعله وتركه فهو مباح الفعل لا راجحه وفي الحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق). قال الخطابي تنصرف الكراهة هنا إلى السبب الجالب للطلاق وهو سوء العشرة وقلة الموافقة لأن الطلاق مباح قاله في المتيطية. وعن علي رضي الله عنه: تزوجوا ولا تطلقوا فإن الطلاق يهتز منه العرش. وعنه أيضاً أنه كان يضجر من كثرة تطليق ابنه الحسن فكان يقول في خطبته على المنبر: إن حسناً رجل مطلاق فلا تنكحوه حتى قام رجل من همدان فقال: والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب أمسك وإن أحب ترك. فسر بذلك علي رضي الله عنه. فإن قيل: كيف يكون أبغض الحلال إلى الله الطلاق مع أن الله أباحه، وفعله عليه الصلاة والسلام فقد طلق حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ثم ارتجعها بأمر من الله تعالى نزل جبريل عليه السلام عليه أن راجع حفصة فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة خرجه غير واحد كما في ابن حجر، وطلق العالية بنت ضبيان وهي التي كان يقال لها أم المساكين ونكحت في حياته قبل أن ينزل تحريم نسائه. وأجيب بجوابين. أحدهما: أن البغض مصروف للسبب الجالب للطلاق كما مرّ، وثانيهما لابن عرفة أن المعنى أقرب الحلال إلى الله بغض الله الطلاق فنقيضه أبعد عن بغض الله فيكون أحل من الطلاق أي: فيكون تركه عند الله أولى وأرجح، وقد يعرض وجوبه كما إذا فسد ما بينهما ولا يسلم دينه معها وحرمته إن خيف من ارتكابه وقوع كبيرة، وكراهته إن كان كل منهما قائماً بحق الآخر، واستحبابه إن كانت غير صينة ولم تتبعها نفسه، وأول من طلق إسماعيل عليه السلام.
ثم أشار الناظم إلى أن الطلاق السني ينقسم إلى قسمين فقال:
مِنْ ذَاك بائِنٌ وَمِنْهُ رَجْعِي ** وَمَا عَدَا السُّنِّيّ فَهْوَ بِدْعي

(من ذاك بائن) مبتدأ وخبر ومثاله الطلقة الواحدة التي صادفت آخر الثلاث فهي من حيث وجود تلك الشروط سنية، ومن حيث إنها صادفت آخر الثلاث بائنة فقد نقل اللخمي عن أشهب جواز طلاق الواحدة المصادفة لآخر الثلاث فتكون سنية بائنة إذ لا تحل له بها إلا بعد زوج، وكذا الطلاق بعوض وهو طلاق الخلع مع الشروط المذكورة فهو سني بائن، وأما في الحيض فهو بدعي بائن ككونه بلفظ الخلع بغير عوض أو بلفظ التمليك كما يقتضيه كلام الناظم الآتي في قوله: منه مملك ومنه الخلعي إلخ. وطلاق غير المدخول بها ولو في الحيض على مذهب ابن القاسم سني بائن. وقال أشهب: بل هو في الحيض بدعي بائن كما نقل الشارح.
قلت: وهو ظاهر النظم لأنه أطلق في تلك الشروط فلم يفرق فيها بين مدخول بها وغيرها. (ومنه الرجعي) كطلقة بعد البناء بالشروط المذكورة لم تصادف الثلاث (وما) موصولة واقعة على الطلاق (عدا السني) يتعلق بالاستقرار المقدر (فهو بدعي) مبتدأ وخبر، والجملة خبر الموصول ودخلت الفاء في خبره لشبهه بالشرط أي: والطلاق الذي استقر عدا الطلاق السني بدعي، وهو الواقع في حيض مدخولاً بها أم لا، على قول أشهب أو في طهر مسها فيه أو أكثر من واحدة أو أردفه في العدة أو في طهر تال لحيض طلق فيه، وأجبر عن الرجعة والبدعي ممنوع في الحيض مكروه في غيره (خ): طلاق السنة واحدة بطهر لم يمس فيه بلا عدة وإلاَّ فبدعي، وكره في غير الحيض إلى أن قال: ومنع فيه ووقع وأجبر على الرجعة إلخ. وقال في التلقين: الطلاق على ضربين. طلاق سنة وطلاق بدعة. ويتفرعان إلى قسم ثالث وهو أن يعرى عن وصفه بواحد منهما، فالسني ما وقع على الوجه الذي أباح الشرع إيقاعه عليه، والبدعي نقيضه وهو الواقع على غير الوجه المشروع، والسنة والبدعة يرجعان إلى أمرين: إلى الوقت والعدد، ثم قال: وأما من تتساوى أوقاتها في جواز طلاقها فثلاث: الصغيرة واليائسة والحامل البين حملها، فطلاق هؤلاء لا يوصف بسنة ولا بدعة من حيث الوقت ويوصف بذلك من حيث العدد اه بنقل بعضهم وينقسم البدعي الذي اختل فيه بعض الشروط إلى رجعي وبائن أيضاً كما قال:
ومِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعي ** وَذُو الثَّلاث مُطَلِّقاً وَرَجْعِي

(ومنه مملك) كانت طالق طلقة مملكة أو تملكين بها نفسك وهو طلاق الخلع بغير عوض كما يأتي: (ومنه الخلعي) أي الطلاق بلفظ الخلع من غير عوض لأنه وإن كان متحداً مع المملك في المعنى، لكنهما اختلفا في اللفظ كما يأتي عن المتيطية، وأما بعوض فهو جائز كما مرّ (و) منه (ذو الثلاث) في كلمة واحدة (مطلقاً) كان قبل البناء أو بعده بلفظ الثلاث أو البتة ولا يدخل فيه الواحدة المصادفة لآخر الثلاث لأنه تقدم جوازها وأنها سنية حيث توفرت الشروط كما لا يدخل فيه الطلاق بعوض مع توفر الشروط أيضاً كما مر، وبهذا التقرير علم أن البدعي أعم من السني لا نقيضه لأن منه ما اختلت فيه بعض الشروط المتقدمة وما لم تختل فيه كالطلاق المملك أو بلفظ الخلع من غير عوض مع وجود الشروط فيهما، وقد نص على كون المملك والخلعي غير سنيين. ابن سلمون والمتيطي: نعم لو زادوا في شروط السني كونه غير مملك أو كونه بغير لفظ الخلع لانحصر البدعي في خلاف السني على ما يظهر، وقوله: وذو الثلاث مبتدأ والخبر محذوف كما قررنا ومطلقاً حال وهو محترز قوله في شروط السني واحدة. (ورجعي) خبر لمبتدأ محذوف أيضاً أي ومن البدعي رجعي كطلقة واحدة في حيض أو في طهر مس فيه أو في العدة.
تنبيه:
قولهم: إن الطلاق بلفظ الخلع بائن ولو بلا عوض إلخ. قيل: إنما كان بائناً لأن من لازم كونه خلعياً جريان أحكام الخلع فيه، ومن جملتها سقوط النفقة أيام العدة، فالعوض حينئذ موجود وهو سقوط النفقة، لكن ظاهر كلامهم أنه خلع ولو لم ترض بإسقاطها مع أنه حق لها يتوقف على رضاها وهو مشكل قاله ابن عاشر.
قلت: رأيت في اختصار مسائل القاضي عبد الوهاب لأبي الحسن بن القصار ما نصه: ويجوز الخلع عندنا بغير عوض، ويجب أن يكون بلفظ الخلع وطلب الزوجة ذلك وهو أن يقول: قد خالعتك. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يكون خلعاً إلا بعوض فإذا عري عن العوض فهو طلاق. اهـ. فتأمل قوله: وطلب الزوجة ذلك إلخ. فيه ينتفي الإشكال المذكور، وتأمل الطلاق المملك الذي نص عليه ابن سلمون والناظم فإنه مما نحن فيه ويجري ما ذكر فيه أيضاً فلا يكون إلا برضاها لأنه يريد أن يسقط حقها من النفقة فالمملك هو الخلع بلا عوض في المعنى، وإنما اختلفا في اللفظ. وتأمل هذا المملك فإنه الجاري عند الناس اليوم مع أن البينونة بغير عوض يجب أن تكون بلفظ الخلع، وأن تكون المرأة طالبة لذلك كما مر عن عبد الوهاب، فالمملك وارد على قولهم يجب أن تكون بلفظ الخلع إلا أن يقال به أو بما في معناه، وكذا لو طلقها بلفظ البينونة كما يأتي عن الشامل فقوله: طلقها طلقة واحدة بائنة فإنها بينونة بغير عوض أيضاً من غير لفظ الخلع. وبالجملة فهذه الألفاظ تبين بها الزوجة وإن لم يكن هناك عوض، والبينونة وإن كانت هي الثلاث عند الأقدمين كما في (خ) لكن عرف الناس اليوم أنها واحدة بائنة كما يأتي ويبقى النظر في النفقة، والظاهر أنه لا شيء لها وإن لم تكن طالبة كما يدل على ذلك إطلاقاتهم، ولو كانت لها لوجبت لها في الطلاق ثلاثاً ولم يقل بذلك أحد. وفي المعيار أن سكوت الأئمة عن الشيء يدل على أنه لا عبرة به، ويدل على أن المملك والخلعي بغير عوض شيء واحد في المعنى على ما يأتي نقله عند قوله: وفي الملك خلاف إلخ. وعليه فالبينونة وجبت في لفظ الخلع بغير عوض من أجل أنه نوى به البينونة، وهكذا المملك لا من أجل كونها في مقابلة النفقة كما قيل والله أعلم.
وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ في الرَّجْعِيِّ ** قَبْلَ انْقِضَاءِ الأمَدِ المَرْعِيِّ

(ويملك) فاعله ضمير الزوج (الرجعة) مفعول به وتقدم تعريفها (في الرجعي) يتعلق بقوله يملك والرجعي. كما في المتيطية ما وقع بعد الدخول غير مقارن لفداء قاصراً عن الثلاث للحر واثنين للعبد فإن اختل أحد هذه الشروط الثلاث لم يكن رجعياً بل بائناً كما يأتي، وأطلق في الرجعي فشمل السني والبدعي فالكل يملك الرجعة فيه. (قبل انقضاء الأمد المرعي) في بينونتها وهو انقضاء العدة الآتي بيانها من الإقراء أو الشهور أو الوضع فالظرف يتعلق بقوله: يملك والمرعي صفة للأمد فإن زعمت انقضاء عدتها فلا يملك ارتجاعها إن مضى من العدة ما يشبه أن تنقضي فيه (خ) وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين ما أمكن إلخ. ولا يجري هاهنا ما به العمل من أنها لا تصدق في أقل من ثلاثة أشهر كما قد يتوهمه قصير الباع، إذ ليس ذلك في مثل هذا لأن الفروج يحتاط لها. والله أعلم فإن ماتت واختلف الزوج والورثة في انقضاء عدتها وعدمه فانظر حكم ذلك في التنبيه الرابع الآتي عند قول الناظم:
ومن مريض ومتى من المرض ** مات فللزوجة الإرث المفترض

وَلا افْتِقَارَ فيهِ لِلصَّدَاقِ ** وَالإذْنِ وَالوَليِّ باتِّفَاقِ

(ولا) نافية للجنس (افتقار) اسمها (فيه) خبرها وضميره للارتجاع المفهوم من الرجعة (للصداق) يتعلق بافتقار (والإذن) معطوف على الصداق (والولي) كذلك (باتفاق) يتعلق بالاستقرار في الخبر، والمعنى أن الزوج إذا ارتجع زوجته من الطلاق الرجعي فإنه لا يفتقر لصداق ولا لإذنها ورضاها ولا لعقد الولي عليها، بل يرتجعها دون شيء من ذلك، ولكن يستحب الإشهاد ولو ارتجعها على صداق جهلاً لرجع عليها به كما في (خ) في فصل الرجعة، وفي المعيار أيضاً من طلق زوجته رجعياً ثم تزوجها بصداق في العدة أن تزوجه رجعة ولا صداق لها إلا الصداق الأول ويرجع عليها بالثاني. اهـ. ثم الرجعة تصح بأحد أمرين بالقول كلفظ: راجعتك أو أمسكتك أو نحوهما ولو بدون نية على المشهور أو بالفعل كالوطء والقبلة والمباشرة ونحو ذلك بشرط قصد الارتجاع بذلك (خ) يرتجع من ينكح بقول مع نية كرجعت وأمسكت أو نية على الأظهر لا بقول محتمل بلا نية ولا بفعل دونها كوطء ولا صداق، وإن استمر وانقضت لحقها طلاقه على الأصح. اهـ. فقوله: وإن استمر أي استمر على وطئها بدون قصد الارتجاع به حتى انقضت عدتها وطلقها طلاقاً آخر فإنه يلحقه طلاقها على الأصح مراعاة لقول ابن وهب والليث وأبي حنيفة بصحة رجعته بالوطء بدون نية لأن الحكم للظاهر فلا يصدق أنه لم يرد به الرجعة، وإذا قلنا يلحقه الطلاق واستمر على ذلك حتى كمل ثلاثاً فلا تحل له إلا بعد زوج فإن استمر على وطئها بعد الثلاث من غير عقد أو بعقد قبل زوج فيتعدد عليه الصداق بتعدد الوطء حيث لم تعلم هي بالحرمة أو علمت وأكرهها، وإلا فهي زانية كما يفيده قول (خ) في الطلاق كواطئ بعد حنثه ولم يعلم. وقوله في الصداق كالزنا بها أي بغير العالمة أو بالمكرهة، وأما حده ولحوق الولد به من الوطء للواقع بعد الثلاث فقد تقدم تفصيله في أول فصل فاسد النكاح.
تنبيهات:
الأول: يتفرع على الصحيح من عدم اعتبار وطئه بدون نية أن له مراجعتها بالقول فيما بقي من العدة، لكن لا يطؤها إلا بعد الاستبراء من الماء الفاسد بثلاث حيض كما أنه لا يراجعها بعد العدة إلا بعقد أيضاً، وكذلك على مقابله من أنه لا يلحقها طلاقه لأنها بانت بانقضاء عدة الطلاق الأول، وهو قول ابن أبي زيد فلا يراجعها إلا بعد الاستبراء المذكور، فإن راجعها وبنى بها قبل الاستبراء على الأصح ومقابله ففي حرمتها عليه للأبد قولان. مشهورهما كما في القلشاني وغيره عدم التأبيد بناء على أن العلة اختلاط الأنساب وهي منتفية هاهنا، لأن الماء ماؤه بخلاف المستبرأة من زنا وغيره، فالأرجح التأبيد قال في المعيار: ومحل الخلاف بين الأصح وابن أبي زيد إذا جاء مستفتياً فابن أبي زيد لا يلزمه إلا الطلاق الأول وأبو عمران يلزمه ما بعده أيضاً ولو الثلاث قال: وإما إن قامت البينة بالثلاث فلا سبيل له إليها حتى تنكح زوجاً غيره في المال ومن حمل الخلاف بينهما على الإطلاق فقد أخطأ. اهـ.
قلت: تأمل قوله: فقد أخطأ لأن البينة إنما يحتاج إليها عند الإنكار، وهو إذا أنكر الثلاث وأسرته البينة دل ذلك على كذبه حتى في قوله: وطئتها بدون نية الرجعة. هذا معناه فيما يظهر، وأما إن كان مقراً بما شهدت به البينة ولم يبق مسترسلاً عليها بعد الثلاث فلا يظهر فرق بين المستفتي وغيره في كون كل منهما من محل الخلاف، وفي بعض فتاوى ابن مرزوق ما نصه: ومسألة الشيخين في المسترسل قوي عندي إشكال تصورها لأنها من التداخل، فمتى تنقضي العدة وما رأيت من كشف عنها الغطاء، وإن زعمه ابن الحاج لكن لم يتبين لي وقال أيضاً في بعض فتاويه: وهذه المسألة يعني مسألة الاسترسال قد كثر السؤال عنها وفاعل ذلك يحتال على تحليل المطلقة ثلاثاً، والمؤكد به عليكم في مثل هذا أن تسدوا باباً يقع به إحداث بدعة. نسأل الله السلامة والعافية.
الثاني: من هذا المعنى من عادته كثرة الحلف بالطلاق ولما قامت المرأة بالطلاق قال: لم أقصد به طلاق الزوجة، وإنما ذلك لفظ أجراه الله على لساني من غير قصد للطلاق فلا ينوي في عدم إرادته الطلاق المذكور لصراحة اللفظ إلا إذا دل بساط على عدم إرادته كأن تكون موثوقة وتقول له: أطلقني فيقول لها: أنت طالق وحيث لزمه الطلاق فيلزمه الثلاث للشك في عدده، فلا تحل له إلا بعد زوج فإن ذكر في العدة أنه إنما طلقها واحدة أو اثنتين صدق، وإن لم يذكر وتزوجها بعد زوج ثم طلقها واحدة لم تحل له أيضاً إلا بعد زوج، وهكذا. ولو بعد مائة زوج إلا أن يبت طلاقها. وهذه هي المسألة المسماة بالدولابية قاله الأبار في جواب له، وبهذا كله تعلم بطلان ما يقوله العامة وبعض الطلبة من أن من كثر منه الطلاق أو الحلف بالحرام أو جرى على لسانه لا يلزمه شيء إذ ذاك لا أصل له، ولم يقله أحد ممن يعتد به لأنه لا يصدق في الصريح ولا في الكناية الظاهرة كالحرام واليمين ونحوهما، بل صرح العقباني بأن من كان دأبه الأيمان اللازمة ويستخفها فيتحتم عليه الحكم بالمشهور فيها، ومن كان ذلك منه فلتة فحسن أن يترك لتقليد قول فيه رحمة. اهـ. ونقل نحوه في المعيار، ونقله الرباطي في شرح العمل أول باب القضاء، وكذا صرح ابن عرضون بأن لزوم الواحدة البائنة للحالف بالحرام مشروط بأن لا يكون معتاداً للحلف به وإلاَّ لزمه الثلاث نقله العلمي. وهكذا رأيت ذلك عن غير واحد وأنه يشدد على من اعتاد الحلف بالطلاق. وأما لزوم الصداق له فيجري على ما تقدم قبل التنبيه الأول والله أعلم.
الثالث: في البرزلي ما حاصله: حقيقة من وطئ في العدة ولم ينو بوطئه رجعة أنه لا يكون رجعة ويجب على المرأة شيئان عدة واستبراء، فالعدة من يوم الطلاق، والاستبراء من يوم الوطء الفاسد بثلاث حيض، فإن أراد الرجعة فله ذلك بالقول والإشهاد دون الوطء حتى ينقضي الاستبراء فإن فاتته الرجعة حتى كملت العدة وبقي الاستبراء فلا رجعة، فإن فعل فسخ ولا يتأبد التحريم لأنه ماؤه وتتداخل العدة مع الاستبراء فيما اتفقا عليه ولا يرتجع في مدة الاستبراء بعد مضي العدة لأنها أجنبية وبعد مدة الاستبراء كان له ولغيره تزويجها ثم قال: وإذا وطئ بعد الحنث ثم أعلم الزوجة فالعدة من يوم إعلامه كالغائب يطلق في غيبته ولا يعلمها بذلك حتى يقدم، فعلمتها من يوم إعلامه ولا يملك الرجعة فيها إلا من يوم أقر إنه أوقع الطلاق فإن انقضت العدة من ذلك اليوم فلا رجعة. اهـ. فانظر هذا مع قول الإمام ابن مرزوق فيما مر عنه من قوة الإشكال، وذكر في المعيار عن ابن سهل في امرأة حنث زوجها فيها بالثلاث وبقي مسترسلاً حتى قضى القاضي عليه بالحنث أن العدة من يوم القضاء إن كان الزوجان حاضرين وإن كانا غائبين فالعدة من وقت أمرهما بالفراق فإن كانت قد انقضت من يوم الحكم فلابد من استئناف ثلاثة قروء للاستبراء اه باختصار فتأمل ذلك كله مع ما مر.
وَمُوقِعُ الطَّلاَقِ دُونَ طُهْرِ ** يُمْنَعُ مَعْ رُجُوعِهِ بِالقَهُرِ

(وموقع) مبتدأ (الطلاق) مضاف إليه (دون طهر) يتعلق بموقع أو بمحذوف حال منه (يمنع) بالبناء للمفعول أي فعل ممنوعاً ونائبه ضمير الموقع والجملة خبر (مع) بسكون العين يتعلق بمحذوف جواب عن سؤال مقدر فكأن قائلاً قال له: وإذا كان المطلق في الحيض أو النفاس فعل ممنوعاً فما حكمه؟ فقال: الحكم وقوع طلاقه مع وجوب (رجوعه) أي ارتجاعه لها ما دامت في العدة ولو (بالقهر) بالتهديد والسجن والضرب بمجلس واحد فإن قهر بذلك ولم يفعل ارتجعها له الحاكم بأن يقول: ارتجعتها لك أو يحكم عليه بها أي يخبره بوجوب الرجعة على وجه الالتزام، وإن لم يقل ارتجعتها لك كما في طفي ويجوز الوطء بهذا الارتجاع وإن لم تقارنه نية لأن نية الحاكم قائمة مقام نيته ويتوارثان به إن مات أحدهما، وإذ ارتجعها بنفسه أو ارتجعها عليه فالأحب أن يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء، فإن طلقها في الطهر الموالي للحيض الأول مضى مع كراهته ولا يجبر على الرجعة، ومحل قهره على الارتجاع إذا كان الطلاق رجعياً، وأما إن كان على عوض أو بلفظ الخلع أو التمليك أو بالثلاث فلا يؤمر بالارتجاع ولا محل لجبره.
وَفي المُمَلِّكِ خِلافُ وَالقَضَا ** بِطَلْقَةٍ بائِنةٍ في المُرْتَضَى

(وفي المملك الخلاف) مبتدأ وخبره (والقضا) ء مبتدأ (بطلقة) خبره (بائنة) صفة لطلقة (في المرتضى) يتعلق بالاستقرار في الخبر، وظاهره أن الخلاف جار ولو نوى به الثلاث. وفي الرسالة إذا قال: أنت طالق فهي واحدة إلا أن ينوي أكثر. القلشاني: من نوى الثلاث بقوله: أنت طالق فقد لزمته الثلاث وهو معنى قول الشيخ. اهـ. ومثله يأتي عن المدونة فيمن نوى بقوله: لا رجعة إلى البتات فإنها تلزمه، وانظر ابن سلمون وفي المعونة: إذا قصد إيقاع الخلع من غير عوض كان خلعاً عند مالك لأنه طلاق قصد أن يكون خلعاً فكان على ما قصده كالذي معه العوض، وقال أشهب: يكون رجعياً. اهـ.
قلت: لأنه أراد أن يخرج الرجعي عن حقيقته الشرعية بمجرد القصد فهو كاشتراط نفي الرجعة والتزام عدم الرجوع في الوصية فلا يسقط قصده رجعته عند أشهب، فالخلاف حينئذ مع قصد البينونة بذلك أو لا قصد أصلاً، والظاهر أن مراد الناظم بالمملك ما يشمل الألفاظ الآتية في النقل لا خصوص لفظ التمليك، بل ويشمل حتى من طلق وأعطى على مذهب المدونة أو خالع وأعطى إذ الكل فيه الأقوال الثلاثة الآتية كما في أبي الحسن. قال ابن سلمون: وأما الطلاق المملك على غير شيء بعد البناء فيكتب فيه عقد طلق فلان زوجه فلانة بعد البناء بها طلقة واحدة ملكها أمرها بها دونه وأشهد بذلك في كذا ثم قال: وهذا الطلاق مكروه لأنه على خلاف السنة. واختلف فيه على ثلاثة أقوال: فقيل طلقة رجعية كمن قال: أنت طالق واحدة لا رجعة لي عليك فيها وهو قول مطرف وأشهب، وقيل: إنها تكون البتة كن قال: أنت طالق واحدة بائنة فإنها الثلاث وهو قول ابن الماجشون وابن حبيب وقيل: إنها طلقة واحدة بائنة قاله ابن القاسم، وحكاه القاضي عن مالك وبه القضاء. وكان ابن عتاب رحمه الله يفتي بأن من بارى زوجته هذه المباراة ثم طلقها بعد ذلك في العدة أن الطلاق يرتدف عليه استحساناً ومراعاة لمن يراه طلقه رجعية. اهـ. وقال المتيطي في نهايته وابن هارون في اختصاره، واللفظ للأول ما نصه: ويكره للرجل أن يطلق امرأته طلقة مباراة أو خلع أو صلح دون أخذ أو إسقاط لوقوعها خلاف السنة فإن فعل ففيها ثلاثة أقوال. فذكر الأقوال التي تقدمت عن ابن سلمون بعينها وكذا نقلها (ح) عند قول (خ) في الخلع: وبانت ولو بلا عوض نص عليه إلخ. وكذا ذكرها القلشاني في شرح الرسالة في طلاق الخلع بغير عوض وذكر عقبها ما نصه: قال ابن عبد السلام: والأقرب المعقول الأول وإلزام البينونة فيه بعد لأنه لا موجب للبينونة إلا العوض أو الثلاث أو كونه قبل البناء والفرض انتفاء كل واحد من هذه الثلاث. اهـ. وقد استفيد من هذا كله أنه إذا قال طلقتها طلاق صلح أو طلاق مباراة أو طلاق تمليك أو طلاق خلع تجري فيه الأقوال الثلاثة، وإن لم يكن عوض في الجميع لأن معناها واحد بل ذكر في نوازل الطلاق من المعيار عن ابن رشد وغيره أنه إذا قال: أنت طالق ونوى به التمليك فهو على ما نوى، وعليه فكل طلاق نوى به البينونة فهو على ما نواه كان بلفظ التمليك أو غيره وتجري فيه الأقوال. ولذا قال الشارح المملك هو طلاق الخلع بغيرعوض، وقال ناظم العمل: المطلق أيضاً وزاد وأنه لا يشترط كونه بلفظ الخلع يريد بل به وبما في معناه من التمليك أو البينونة. قال في الشامل: ولو قال أنت طالق طلقة بائنة فواحدة بائنة على الأصح وثالثها ثلاث. اهـ. ولم يذكر ابن سلمون طلاق خلع بغير عوض أصلاً بل اقتصر على المملك لأنه عينه عنده، وتبعه الناظم وقد تقدمت الإشارة إلى هذا عند قوله ومنه الخلعي إلخ. وبهذا تعلم ما في (ز) عند قول (خ) في الخلع لا أن اشترط نفي الرجعة بلا عوض من أن طلاق الخلع بغير عوض غير طلاق التمليك وأن طلاق التمليك فيه الرجعة على ما رجحه القرافي، وبه أفتى جد الأجهوري فلا يعول على شيء من ذلك لأن ما رجحه القرافي، وأفتى به الأجهوري هو القول الأول الذي استغفر به ابن عبد السلام أيضاً من تلك الأقوال الثلاثة الجارية في الخلع بغير عوض، كما للقلشاني، وفيه وفي الصلح والمباراة كما للمتيطي، وفي المملك كما لابن سلمون والناظم وفيمن طلق وأعطى أو خالع وأعطى كما في أبي الحسن لأن الطلاق فيهما بغير عوض والعطية المقارنة له من الزوج محض هبة، ولذا قلنا لا يبعد أن يكون الناظم أطلق المملك على ما فيه الخلاف المذكور مما مر، ومما يأتي من نحو لا رجعة لي عليك فما رجحه القرافي وتبعه الأجهوري مقابل لما به القضاء كما ترى.
تنبيهان:
الأول: تشبيه الموثقين الطلاق المملك بالطلاق الذي لا رجعة فيه يقتضي أن الذي لا رجعة فيه متفق عليه إذ لا يحتج بمختلف فيه، وليس كذلك، بل الخلاف جار في الجميع، ففي كتاب التخيير والتمليك من أبي الحسن ما نصه اللخمي: اختلف فيمن قال أنت طالق طلاق الصلح أو طلقة بائنة أو طلقة لا رجعة فيها فقيل: هي ثلاث، وقيل: هي رجعية، وقيل: هي بائنة لأن الرجعة من حقه فإذا أسقط حقه فيها لزمه وهو أبين اه باختصار. وقال أبو الحسن في كتاب الخلع ما نصه من اختلاف الرواة هنا: يعني فيمن صالح وأعطى أو طلق وأعطى أخذ أبو محمد صالح أن ما يفعله أهل بلدنا في قولهم أنت طالق طلقة مملكة أنها تكون بائنة، وقد كان ابن العربي يقول: لا تكون بائنة. واحتجوا عليه بهذه الألفاظ صالح وأعطى خالع وأعطى وغير ذلك فقال: إنما أوجبت هذه الألفاظ البينونة لأجل اللفظ وقولهم: أنت طالق طلقة مملكة مثل قوله في كتاب التخيير أنت طالق طلقة ينوي لا رجعة لي عليك فإنه قال هناك له الرجعة. اهـ. وعبارة المدونة في كتاب التخيير هي قولها ما نصه: وإن قال لها أنت طالق تطليقة ينوي لا رجعة عليك فله الرجعة، وقوله: لا رجعة لي عليك ونيته باطل إلا أن ينوي بقوله: لا رجعة لي عليك البتات. اهـ. اللخمي: يريد هو باطل سواء قال ذلك قولاً أو نواه فقد تبين بهذا أن طلاق الصلح والخلع والتمليك والبينونة والذي لا رجعة فيه، ومن صالح وأعطى فيه الخلاف المذكور، والذي به القضاء ما درج عليه الناظم وهو ما اختاره اللخمي في لا رجعة لي عليك وإن كان مذهب المدونة في الطلقة البائنة الثلاث ومذهبها في طلاق الخلعي ونحوه البينونة فقط. وفي لا رجعة لي عليك كونها رجعية وتبعها (خ) على ذلك كله فلا يشكل عليك، فإن الناظم حكى ما به العمل في ذلك وإن خالف المدونة و(خ) يتبع المدونة فقال: وبانت ولو بلا عوض وقال بعده: لا أن شرط نفي الرجعة فهي رجعة. وقال أيضاً: أو واحدة بائنة أي فهي ثلاث عنده. قال أبو الحسن: الفرق على مذهبها بين طلاق الخلع بغير عوض هي واحدة بائنة وبين قولها في الواحدة البائنة أنها الثلاث أنه في الأول شبهها بطلاق الخلع وفي الثانية قال بائنة فليست بخلعية ولا شبهها بطلاق الخلع.
الثاني: قال أبو الحسن عند قولها المتقدم عن كتاب التخيير ما نصه: قال ابن عبد الحكم: إذا قال لها أنت طالق ولا رجعة لي عليك فله الرجعة وإن قال لا رجعة لي عليك كانت البتة. قال ابن الكاتب: مسألة ابن عبد الحكم ليست كمسألة المدونة لأن مسألة المدونة قد بين أنه طلقها طلقة واحدة ومسألة ابن عبد الحكم لم يذكر طلقة، وإنما قال: لا رجعة لي عليك فهي البتات. اللخمي: ولو قال أنت طالق طلاقاً لا رجعة لي عليك فيه لكان ثلاثاً قولاً واحداً لأن طالق يعبر به عن الواحد والثلاث، فإذا قال طلاقاً لا رجعة فيه كان صفة للطلاق أنه ثلاث. اهـ.
قلت: وهو ظاهر إذا نواه أو لم ينو شيئاً وانظر إذا نوى الواحد التي لا رجعة فيها أعني البائنة، والظاهر أن له نيته لأن اللفظ ليس صريحاً في الثلاث ولا كناية ظاهره فيه والله أعلم.
وَبَائِنٌ كلُّ طَلاَقٍ وَقَعَا ** قَبْلَ البِنَاءِ كَيْفَمَا قَدْ وَقَعَا

(وبائن) خبر عن قوله (كل طلاق) وجملة قوله (وقعا) صفة لطلاق، والرابط بين الصفة والموصوف محذوف أي أوقعه وألفه للإطلاق وفاعله ضمير الزوج (قبل البناء) يتعلق بأوقعا (كيفما) مجردة عن معنى الاستفهام فهي للتعميم في الأحوال بمعنى مطلقاً حال من الضمير في بائن وما زائدة أي كل طلاق أوقعه الزوج قبل البناء فهو بائن في أي حال (قد وقعا) أي حال كونه مكيفاً بأي كيفية كانت بكونه في الحيض أو في غيره بعوض أو بغيره واحدة أو أكثر في كلمة أو في كلمات في مرض أو غيره ويجري في الإرث على حكم الطلاق في المرض الآتي في قوله: ومن مريض إلخ. ويجب لها نصف الصداق إن كان نكاح تسمية ويبقى على أجله إن كان مؤجلاً وإن كان نكاح تفويض فلا شيء لها فإن طلق قبل البناء بعد أن اشترت الجهاز فلها نصف الجهاز فإن اشترت به ما لا يصلح للجهاز رجع عليها بنصف ما دفع، وإن أصدقها عقاراً أو عروضاً أو حيواناً فباعت ذلك أو وهبته أو أعتقت الرقيق أو تلف بيدها أو دخله نقص أو زيادة كان له نصف الثمن في الجميع إن لم تحاب فيه ونصف القيمة في الهبة والعتق يوم إحداثها لذاك كما في (خ).
وَبالثَّلاَثِ لاَ تَحِلُّ إلاَّ ** مِنْ بَعْدِ زَوْجٍ لِلَّذِي تَخَلَّى

(وبالثلاث) يتعلق بمقدر صفة لفاعل قوله (لا تحل) وفاعله ضمير الزوجة (إلا) استثناء من عموم مقدر (من) زائدة والزائد لا يتعلق بشيء كما مرّ (بعد) معمول لتحل (زوج) على حذف مضاف ومتعلقه (للذي) يتعلق به أيضاً (تخلى) صلته والرابط ضميره المستتر العائد على الموصول، والتقدير الزوجة المطلقة بالثلاث يريد: وما في معناها من البتة ونحوها حيث كان عرف الناس فيها الثلاث على ما يأتي في قوله: ويلزم الطلاق بالصريح إلخ. لا تحل للذي تخلى عنها إلا بعد وطء زوج بنكاح لازم أو إلا في زمان كائن بعد وطء زوج إلخ. وقدرنا وطأ لقوله تعالى: {حتى تنكح زوجاً غيره} (البقرة: 230) فإنهم قالوا كل نكاح وقع في كتاب الله، فالمراد به العقد إلا في هذه الآية. فإن المراد به الوطء مع العقد الصحيح اللازم للحديث الصحيح في امرأة رفاعة القرظي التي قالت له عليه السلام: كنت عند رفاعة فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب، فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك). فهذا الحديث نص على أن المراد الوطء، ولابد أن تكون هي مطيقة للوطء، وأن يكون الوطء لا نكرة فيه (خ) والمبتوتة حتى يولج مسلم بالغ قدر الحشفة بلا منع ولا نكرة فيه بانتشار في نكاح لازم وعلم خلوة وزوجة فقط إلخ. وخالف الحسن البصري فقال: لا يحلها مغيب الحشفة بل حتى يقع الإنزال لقوله في الحديث: (حتى تذوقي عسيلته). إلخ. ورأى غيره أن المغيب هو العسيلة وخالف سعيد بن المسيب فقال: إن العقد عليها يحلها للأول وخطئ بمخالفته للحديث، وتؤول على أن الحديث لم يبلغه. وخالف ابن الماجشون فقال: تحل بالوطء الحرام كوطئها وهي حائض أو صائمة، ولابد أن لا يقصد الزوج الثاني بنكاحه تحليلها. قال في الرسالة: ولا يجوز أن يتزوج رجل امرأة ليحلها لمن طلقها ثلاثاً ولا يحلها ذلك. وقال (خ) كمحلل وإن مع نية إمساكها مع الإعجاب، وظاهر النظم أنها لا تحل ولو ملكها بالشراء وهو كذلك قال في الرسالة: ومن طلق امرأته ثلاثاً لم تحل له بملك ولا نكاح حتى تنكح زوجاً غيره.
تنبيه:
قال ابن رشد: جرت عادة قضاة العصر منع المبتوتة من رجعة مطلقها حتى يثبت دخول الثاني دخول اهتداء وأنه كان يبيت عندها ويتصرف عليها تصرف الأزواج على الزوجات وما علموا في نكاحها ريبة ولا دلسة. اهـ. وقال احلولو العمل عند قضاة تونس اليوم تكليفه عند العقد بإثبات أنه لا يتهم بتحليل المبتوتة فحينئذ يحل له تزوجها، ثم إن طلقها لم تحل لزوجها إلا بعد ثبوت البناء بها وهو حسن سيما مع فساد الزمان. اهـ. نقل ذلك كله ابن رحال في حاشيته هنا.
وَهْوَ لِحُرَ مُنْتَهَى الطَّلاَقِ ** وَحُكْمُها يَنْفُذُ بالإطلاقِ

(وهي) مبتدأ عائد على الثلاث (لحر) يتعلق بالخبر الذي هو (منتهى الطلاق) أي غايته (وحكمها) مبتدأ (ينفذ) بضم الفاء والجملة خبر (بالإطلاق) يتعلق به.
هَبْ أَنْها بِكَلْمةٍ قَدْ جُمِعَتْ ** أَوْ طَلْقَةٍ مِنْ بَعْدِ أُخْرَى وَقَعَتْ

(هب أنها) أي الثلاث (في كلمة) يتعلق بقوله: (قد جمعت) والجملة خبر إن وهي وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي هب (أو طلقة) حال من فاعل وقعت (من بعد أخرى) يتعلق بمقدر صفة لطلقة (وقعت) فاعله ضمير الثلاث. والجملة معطوفة على جملة جمعت والجملتان مفسرتان للإطلاق أي الثلاث هي غاية طلاق الحر، فالطلاق الزائد عليه غير لازم، وحكمها الذي هو عدم حليتها إلا بعد زوج نافذ مطلقاً سواء جمعت في كلمة واحدة كقوله: أنت طالق ثلاثاً أو وقعت هي أي الثلاث حال كونها طلقة كائنة بعد طلقة، وما ذكره من لزوم الثلاث ولو في كلمة هو الذي به القضاء والفتيا كما في المتيطية، بل حكى بعضهم عليه الاتفاق وبعضهم الإجماع. انظر المعيار فقد أجاد فيه، وانظر ابن سلمون والمتيطية وغيرهما وما ذكروا فيه من الخلاف داخل المذهب ضعيف جداً حتى قالوا: إن حكم الحاكم به ينقض ولا يكون رافع للخلاف (خ) أو جعل بتة واحدة إلخ. وذكر البرزلي في نوازل الإيمان عن ابن العربي والمازري أنهما قالا: لم ينقل القول الشاذ إلا ابن مغيث لا أغاثه الله قالها ثلاثاً. اهـ. وهذا مبالغة في الإنكار بل قال بعضهم: ما ذبحت ديكاً قط ولو أدركت من يحلل المطلقة ثلاثاً في كلمة لذبحته بيدي، وظاهر قوله: طلقة بعد طلقة أخرى أنه لا فرق بين أن يكون ذلك نسقاً كأنت طالق أنت طالق أنت طالق أو مفرقاً في مجالس وهو كذلك في الثاني حيث كانت مدخولاً بها، وكان الطلاق الثاني قبل انقضاء عدة الأول، وأما الأول فتارة يكون بدون عطف كما مر في المثال وتارة بالعطف بواو أو فاء أو ثم وعلى كل حال يلزمه الثلاث كما هو ظاهر النظم، سواء كانت مدخولاً بها أم لا. ولا ينوي في إرادته التأكيد فيهما مع العطف، وإنما ينوي في إرادته فيهما مع عدمه كما قاله (خ) وشراحه عند قوله: وإن كرر الطلاق بعطف واو إلخ. وظاهر قوله في كلمة إلخ. أوقعها في حال الغضب والمنازعة أم لا. ولا ينوي في ذلك ولو مستفتياً وهو كذلك. قال ابن العربي في أحكامه الصغرى عند قوله تعالى: {والذين يظاهرون منكم من نسائهم} (المجادلة:) الآية ولا يسقط الغضب ظهاراً ولا طلاقاً بل يلزمان الغضبان إذ في حديث خولة كان بيني وبين زوجي شيء، وهذا يدل على نزاع أخرجه فظاهر. اهـ. وقال ابن عرفة عن ابن رشد: يمين الغضب لازمة اتفاقاً. اهـ. وما وقع في شرح التلقين من أنه إذا طلقها في كلمة أو كلمات في حال الغضب أو اللجاج أو المنازعة لا يلزمه شيء ويدين إذا جاء مستفتياً لأن ذلك من باب الحرج والحرج مرفوع عن هذه الأمة ولقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم المسلم) ولقول علي بن أبي طالب: من فرق بين المرء وزوجته بطلاق الغصب أو اللجاج فرق الله بينه وبين أحبائه يوم القيامة قاله الرسول عليه السلام. اهـ. كل ذلك لا يصح ولا يعول عليه، وقد أغلظ المسناوي رحمه الله على من نقل ذلك ولبس به على المسلمين. وقال: إن ذلك من الافتراء على الأئمة المعتبرين المعروفين بالتحقيق التام. قال: فالواجب تعزير من عمل بذلك أو ركن إليه أو أفتى به إن لم يعذر بجهل اه باختصار. وقد كثر السؤال عن ذلك في هذه الأزمنة وقبلها وينسب السائل ذلك لكتاب التقريب والتبيين في شرح التلقين، وبعضهم للذخيرة عن البيان. أما الذخيرة والبيان فلا شيء فيهما، وأما التقريب والتبيين فلا زال عقلي يستبعد وجود ذلك فيه حتى منّ الله عليَّ بالوقوف على ذلك فيه الآن ونقلت منه ما تقدم باللفظ وذكر متصلاً بما مر عنه ما نصه: قال محمد بن القاسم، قلت لمحمد بن سحنون: أيحل لي أن أرد المطلقة ثلاثاً لمن جاءني مستفتياً في ذلك قال: إن كان من أخيار الناس ومن أهل الورع فنعم ترد عليه زوجته سراً، وإن كان سفيهاً فألزمه الثلاث لئلا يستن بذلك فلا يحرم حراماً اه لفظه. وهذا لا يصح أيضاً بحال، ولا أظن ذلك يصدر من عالم يعتد بعلمه وهذا الشرح مجهول النسبة عندي فلم أدر صاحبه من هو فلا ينبغي أن يعتمد على ما فيه مما يخالف الجادة والله أعلم. ومفهوم قول الناظم: لحر أن العبد منتهى طلاقه اثنتان فلا تحل له بعدهما حتى تنكح زوجاً غيره، وسواء كانت الزوجة حرة أو أمة. وقال أبو حنيفة: إذا كانت زوجته حرة فمنتهى طلاقه ثلاث.
فرع:
لو قال: أنت طالق أو أنت طالق ثلاثاً إن شاء الله فإنه يقع طلاقه ويلزمه حكمه عند مالك وأصحابه، وكذلك العتق ولا يعمل قوله: إن شاء الله إلا في اليمين بالله وحدها. وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقع الطلاق ولا العتق ولا النذر ولا ما دخل فيه قوله: إن شاء الله كاليمين بالله تعالى. وقال أحمد: لا يقع الطلاق ويقع العتق قاله القاضي عبد الوهاب في مسائله.
وَمُوقِعٌ ما دُونَها مَعْدُودُ ** بَيْنَهُمَا إنْ قُضِيَ التَّجْدِيدُ

(وموقع) بفتح القاف صفة لمحذوف أي طلاق موقع، ويجوز كسرها أي شخص موقع (ما) زائدة على الأول وموصوفة على الثاني واقعة على طلاق (دونها) يتعلق بموقع على الفتح وصفة لما على الكسر والضمير للثلاث (معدود) خبر على الإعرابين حذف متعلقه أي عليه (بينهما) يتعلق بتجديد آخر البيت ولا يضر تقدمه على الشرط لأن الظروف يتوسع فيها وضميره للزوجين (إن قضى) بالبناء للمفعول والجملة شرطية حذف جوابها للدلالة عليه (التجديد) بالجسم نائب ومعناه أن الشخص الموقع لطلاق دون الثلاث معدود عليه ما أوقعه إن قضى الله تعالى بتجديد النكاح بينهما ولو تزوجها أجنبي قبل تجديد النكاح لأن نكاح الأجنبي إنما يهدم الثلاث. قال القاضي عبد الوهاب في مسائله: سواء دخل بها الثاني أم لا ولا يهدم الثاني بوطئه طلاق الأول فإن كان طلقها واحدة عادت في النكاح الثاني على طلقتين وإن كان طلقها اثنتين عادت إليه على طلقة حتى أنه إن طلقها واحدة لم تحل له إلا بعد زوج وهو مذهب عمر وعلي وأبي هريرة وأبي بن كعب والأوزاعي وابن أبي ليلى وابن أبي ذئب والثوري ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة بعد إن كان مخالفاً. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف صاحبه إلى أن الزوج الثاني إن أصابها في نكاحه هدم طلاق الزوج الأول فترجع إليه بعصمة جديدة، وبه قال من الصحابة ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهما.